آداب الأكل والدعوة والضيافة
إن الله تعالى أحسن تدبير الكائنات ،
فخلق الأرض والسماوات وأنزل الماء الفرات من المعصرات ،
فأخرج به الحب والنبات ، وقدر الأرزاق والأقوات ، وحفظ بالمأكولات قوى الحيوانات ،
وأعان على الطاعات والأعمال الصالحات بأكل الطيبات . فشكرا له على ممر الأوقات .
ولما كان مقصد ذوي الألباب لقاء الله تعالى في دار الثواب ،
ولا طريق إلى الوصول للقائه إلا بالعلم والعمل ،
ولا يمكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن ،
ولا تصفوا سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات والتناول منها بقدر الحاجة على تكرر الأوقات ،
فمن هذا الوجه قال بعض السلف : إن الأكل من الدين ، وعليه نبه قوله تعالى :
( كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) [ المؤمنون : 51 ]
وها نحن نرشد إلى وظائف الدين في الأكل فرائضها وسننها وآدابها .
بيان ما لا بد للآكل من مراعاته
وهو ثلاثة أقسام :
القسم الأول في الآداب المتقدمة على الأكل
وهي خمسة :
الأول
أن يكون الطعام بعد كونه حلالا في نفسه طيبا في جهة مكسبه موافقا للسنة والورع ،
لم يكتسب بسبب مكروه في الشرع ولا بحكم هوى ومداهنة في دين ،
وقد أمر الله تعالى بأكل الطيب وهو الحلال ،
وقدم النهي عن الأكل بالباطل على القتل تفخيما لأمر الحرام وتعظيما لبركة الحلال
فقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )
إلى قوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ]
فالأصل في الطعام كونه طيبا وهو في الفرائض وأصول الدين .
الثاني
غسل اليد لأنها لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة .
الثالث
أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعا بالأكل ،
ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع
فيكون الجوع أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل ،
ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ، ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب .
الرابع
أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام .
الخامس
أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده
فإن خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي ;
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده .