بسم الله الرحمن الرحيم
دائمـًا ما يجذبني لون تلك الفاكهة ، ورقَّـة ملمسهـا فأتذكر بديع مُخرجها
فكلما مَرَّ علي اسمها تخيلت حسنها ، وجمال منظرِهـا
لكن الآن لم أكتفِ على ما كان بسبب ما عَكَّـر
على مُخيلتي من مشهدٍ أمضّني .
فسأحكيه لكِ غاليتي ؛ لتعتبري وتكثري الحمد لربكِ بالسرِّ والعلنِ.
مع أني احترت كثيرًا في عرضه ؛ خشية أن تذكري حادثتي
عند رؤية الفراولة فتتحول ابتسامتك لمضضٍ وحرقةٍ
فأكون أجحفت في حق هذه الفاكهة المظلومـة !
وأملي بكِ أن تجمعي بين التأمل بروعة صنع البارئ ،
وأخذ العظة مما سأذكره لكِ إن شاء ربي .
كـِرِزْ بالفراولة .... وما أدراكِ ما كـِرِزْ بالفراولة ؟!
هذه العبارة أوجعت مسامعي ؛ بل أطارت الرقـاد عن عينيّ
فأرعني اخيتي سمعك ؛ لتعلمي عن سرِّهـا.
خرجت يوما من الأيام لقضاء مهمةٍ مـا ، وقدَّر لي ربي أثناء خروجي
أن أدخل أبغض الأماكن إلى الرب جلَّ وعز، فاستولى علي الكمد ،
مضاعفةً على بغضي للأسواق لم يكن لي حاجة بها في ذلك الوقت.
رضيت بقضاء المدبِّر، سحبت قدميّ المُثْقلة لبوابة السوق ،
ذكرت ربي ؛ لعله أن يخفف عني ما أنا فيه
ذهبت أتجول يمنة ويسرة باحثة عن مكان بمنأى عن أنظار الرجال
لكن هيهات هيهات وأين أجد ذلك في مثل هذه الأماكن ؟!
وقفت عند أحد الأركان مع قريبتي وأمامنا أحد الباعة ولم ألحظ
ما عنده من متاع ، ففضلت الوقوف في هذا المكان ؛
لأنه مكان هادئ نوعًا ما من ضجَّة الرجال ،
وبينما أنا على تلك الحال ، إذا بفتاة تمر بجانبي متوجهةً لذلك البائع
جلست أحدق بها بنظراتٍ متوالية من غير شعورٍ بتصرفي .
قالت لي قريبتي: ما بالك ؟!
قلتُ : ألا تنظرين ؟!! كاشـفة عن وجهها !
قالت : لا تعجبي وانظري أيضًا ما ذا ستشتري ؟!
وربي وأنا أتأملها لا أرى فيها ذرة من جمال أفسدت حلاوتها بكشفها
بل شعرت ببعض ما تَشَعَّبهـا من الغموم والاكتئاب ما الله به أعلم.
فقالت للبائع بنبرة شَجيَّة :
( بليز كرز بالفراولة ) !!!!!
فناولها مجموعة من :
؛
؛
( الـتبغ )
؛
؛
وأنا في حالة لم أصدق فيها عينيّ ، ولا سماع أُذنيّ .
قلت لقريبتي محاولةً التخفيف عن نفسي :
لعل أحدًا من إخوانها أجبرها أن تشتري لهُ ؟
قالت : بل ربما اشترته لها فلا تُهلكي نفسك .
قلت لها : أنا كثيرًا ما أقرأ عن ضياع بعض الفتيات
لكن لم أرَ مشهدًا ولربي الحمد ، فتكون قراءتي كطيف عابر
يمُر مَرِّ البرق ولا يستقر.
وبينما نحن نتحادث إذا بنا نسمعها تحكي وتقول للبائع عن نوع
آخر من أنواع التبغ: لا ... ( هذا طعمه مو حـلو !! ) أبدلني بطعم ( ؟؟؟ )
تدحرجت الدموع من مقلتيَّ ؛ حنُـوًا وعطفـًا عليها.
يا ليتها أفسدت نعومة الفراولة واكتفت ؛ بل وأفسدت نعومة أنوثتها ودينها.
بعدها أصبحت دائمًا ما أشعر بضرورة احتضان تلك الفتيات التائهات للطريق السوي ،
والأخذ بأيديهن بالتي هي أحسن ، وتجنب التعامل معهن بطريقة اللوم والتوبيخ ،
وإظهار أننا نشعر بهمومهن قبل توضيح حكم فعلهن ،
وتجديد طرق النصح بأساليب محببة عديدة ؛
لا أن نكتفي بعرض الحكم والانسحاب المباشر بدون مقدماتٍ عاطفيـة ؛
حتى نحافظ على نعومتهن لئلا تنداس بمتاهات الرذيلة.
هذا والله أعلم...
وصلى الله وسلم على نبينا وقدوتنا محمد.
مع السلامة
منقول